تشتهرُ
البادية السورية بهوائها اللطيف وطقسها الجميل، خاصة في فصلي الخريف
والربيع، حيث تستقطب السياح والزوار بشكل كبير في هذين الفصلين. ففي أشهر
الخريف (تشرين الأول- تشرين الثاني- كانون الأول) يؤم البادية السورية
الكثيرون من عشاق الطقس المعتدل، حيث نهارها منخفض الحرارة وليلها دافئ
والسماء صافية.
كما تنمو في هذا الفصل العديد من الأزهار البرية
الجميلة، وتنتشر الطيور المهاجرة فيها، خاصة النسور، والطير الحر الشهير
ملهم ومعذب الصيادين في بحثهم المضني عنه، حيث يشاهدهم السائح والزائر
للبادية وقد خيموا على رماله الصفراء، منتظرين قدوم الطير الحر، ليكون
قنصه فرصة العمر لهؤلاء الصيادين..
تعتبرُ التليلة المحمية الأولى في سورية التي تأسست
بشكل خاص لأغراض الحفاظ على التنوع البيولوجي؛ فعلى بعد 20 كم من مدينة
تدمر السورية تأسست المحمية عام 1991 على مساحة (22.0000) هكتار من أراضي
البادية السورية، ولقد تمت إحاطة المحمية بخندق ترابي عمقه 2م وعرضه 3م.
ويعلو الخندق ساتر ترابي بارتفاع 205م، نتج عن حفر الخندق. وقد بدأ إدخال
الأحياء البرية إلى المحمية، مع وصول خبير الأحياء البرية عام 1996،
والمشروع لايزال في مراحله الأولى.
¶ كيف يمكن الوصول إلى محمية التليلة
الوصول إلى المحمية سهل، حيث يمكن للسائح أن يزورها مع زيارته للبادية
السورية، وتحديداً لمدينة تدمر؛ فهي تبعد 30 كم فقط عن تدمر إلى الجنوب
الشرقي منها، حيث تقع على منعطف من طريق تدمر دير الزور، وتبعد عنه نحو 15
كم، وتتوضع على مساحة 22 ألف هكتار، ويحيط بها خندق بطول 175 كم، وفي
داخلها قسم مسور بأسلاك شائكة خاص بالغزلان بطول 15 كم.
وتأتي هذه
الإجراءات من إدارة المحمية؛ حماية لبيئتها الداخلية الرائعة التي تقدم
للسائح بانوراما جميلة للحياة البرية والطبيعية في البادية السورية، حيث
هناك النباتات النادرة والحيوانات بمختلف أنواعها، والطيور المألوفة
والنادرة منها، والزواحف والشجيرات الرعوية. وهناك المجتمعات البشرية
البدوية، التي تعيش بالقرب من المحمية، خاصة قريتي آرك والمحطة المجاورتين
للمحمية، بالإضافة إلى التجمعات البدوية المتنقلة في العباسية والمنبطح،
مقدمة صورة عن حياة السكان في البادية، حيث البساطة في المأكل والمشرب؛
فهناك تدار القهوة المرة في المضافات البدوية، من خيم وبيوت متنقلة، وهناك
المناسف تقدم للضيوف، حيث يعلوها لحم خروف العواس، وهي الأغنام البلدية
المشهورة في البادية السورية. وإذا ما قرَّر السائح أن يبقى حتى المساء،
ويستمتع بغروب الشمس في المحمية؛ فسيتلقى بالتأكيد دعوة من سكان التجمعات
البدوية المجاورة للمحمية، ليقضي معهم ساعتين من حياة البادية، حيث سيجتمع
رجال القبيلة في المضافة، ويأتي الشاعر مع ربابته ليقدم الأشعار النبطية
والأغاني البدوية مرفقة بعزف الربابة والمزمار. وتدار فناجين القهوة المرة
بعادات خاصة، يشعر بها السائح مباشرة وهو يشاهد كيف تقدم فناجين القهوة في
المضافة. وبعد أن يستمتع السائح بعادات سكان البادية، يمكنه أن يغادر
منطقة المحمية ليلا، ويعود إلى تدمر لينام ليلته في أحد فنادقها المتنوعة
الدرجات أو شققها المفروشة.
¶ المها
هناك شواهد تاريخية
واضحة على أنَّ المها عاشت في منطقة المشروع، كما أنَّ الغزلان كانت شائعة
التواجد حتى فترة قصيرة، ولا يزال البعض منها يعيش في الجبال الواقعة غرب
تدمر؛ لذا فقد تقرَّر إعادة إدخال النوعين المذكورين.
هذا وقد خضعت طريقة تنفيذ إعادة إدخال هذه الحيوانات إلى اعتبارين، هما:
1 ـ أنَّ محمية التليلة أصغر بكثير من المجال السنوي لمراعي هذين
النوعين؛ لذا فاحتمال إطلاق هذه الحيوانات في المحمية لن يمكنها من المكوث
فيها طوال العام.
2 ـ كما أنه في غياب توعية المواطنين المجاورين
بأمور المحافظة على الأحياء البرية، فإنه من غير المحتمل أنَّ الحيوان
الذي سيغادر المحمية سيبقى على قيد الحياة.
ولمعالجة هذه الأوضاع، فقد
تمَّت إحاطة 10 كم2 ضمن سياج، لإطلاق المها والغزلان داخلها، وهذا سوف
يتيح لها التأقلم مع الظروف المحلية ضمن المراعي الطبيعية دون الحاجة إلى
مغادرة المحمية. وبما أنَّ تنقلات هذه الحيوانات ستكون محدودة، فلابدَّ من
مراقبتها عن بعد بشكل مستمر؛ بغية تقديم الغذاء والماء لها حين الحاجة.
ـ إعادة إحياء الحياة البرية
واعتماداً على التواجد التاريخي لغزال الرمال والمها العربية في المنطقة،
فقد أعطيت الأفضلية لإدخال هذين النوعين. وقد التمس المشروع الجمعية
الملكية للحفاظ على الطبيعة في المملكة الأردنية، والهيئة الوطنية للحفاظ
على الأحياء البرية والتنمية في المملكة العربية السعودية، حيث إنَّ كلا
الهيئتين تكرمت بالموافقة على مساعدة سورية في جهودها الرامية لإعادة
إدخال هذين النوعين من الحيوانات. وقد تمَّ تلقيح جميع الحيوانات
المستوردة بلقاحات الطاعون البقري والحمى القلاعية (دواء الكلب)، والإجهاض
الساري، والتهاب الرئة، وضدَّ الكلوستريديا.
هذا وتمَّ نقل النوعين
ضمن صناديق انفرادية صمّمت خصيصاً لنقلها إلى المحمية جواً وبراً، وقد
وصلت المجموعة الأولى من المها إلى التليلة عام 1996، وتمَّ وضعها ضمن
حظيرة مساحتها (0.5) هكتار، ولمدة خمسة أشهر بعد تأقلمها تمهيداً
لإطلاقها.
وبعد عشرة أيام من وصول المها، تمَّ وصول ثلاثين غزالا
إلى مطار تدمر، بواسطة طيارة شحن سورية، حيث تمَّ وضع الغزلان في حظائر
سبق وأقيمت من قبل مديرية البادية في التليلة، وبعدها تمَّ نقلها إلى
الحظائر تمهيداً لإطلاقها. وفي شهر أيار عام 1997 تمَّ وضع الغزلان في
حظائر ضمن المسيج، أما الغزلان فقد أطلقت على ثلاث مراحل، كما علّقت في
رقاب ستة منها أجهزة تنصت، وتمَّت مراقبتها جميعاً عن كثب، بعد إطلاقها
وخاصة بالنسبة للوفيات والمواليد.
هذا ولا تزال جميع المها على قيد
الحياة، وقد أنجبت أربعة من الطلاء في التليلة. أما بالنسبة للغزلان، فقد
عانت من ارتفاع في معدل الوفيات في المرحلة الأولى من التأقلم، وخاصة
حينما كانت في الحظائر، وأيضاً بعد الإطلاق مباشرة. وهذا يعود عادة
للإجهاد أو الشدة. أما نسبة البقاء والإنتاج، فكانا مرتفعين في السنة
الثانية، حيث إنَّ 14 من الحوامل أنجبت طلاء، ثمانية منها أنجبت توائم،
ولم ينفق من 21 حملا سوى ثلاثة في العام نفسه. وإذا ما تتابعت نسبة
المواليد على هذا المنوال، فمن المتوقع أن يصل عدد الغزلان إلى 600 بعد
عشرة أعوام.
وإضافة إلى الحيوانات المدخلة، فقد نما التنوع البيولوجي
بشكل ملحوظ، مع تزايد في مجموعات من الأنواع الفردية، حيث تمَّ التعرف على
60 نوعاً من الطيور واليرابيع الفراتية والأرانب والثعالب، ونوعين من
القطط الصحراوية، وثلاثة أنواع من الزواحف.
¶ كيف يقضي السائح رحلته في محمية التليلة؟
يستطيع السائح أن يتجول مع الدليل السياحي والبيئي المتخصص بالمحمية،
الذي يجيد التحدث باللغة الإنجليزية، وعليه أن يحترم القوانين الخاصة
بالمحميات، ويمكن التجول في هذه المحميات بحرية. وفيما يتعلق بحاجة السائح
إلى مطاعم وكافتيريات ومحلات تبيع المواد الغذائية (السوبر ماركت)، فيمكن
للسائح أو الزائر أن يحصل عليها من القرى المجاورة للمحميات أو من مدينة
تدمر، ويمكن للسائح أن يقضي نهاره في المحمية ويعود إلى مدينة تدمر لينام
هناك