السلام عليكم
هذا نص المقال
موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
إعداد : مجوعة من المؤلفين
بقلم عبد الرحمن بن علي العسكر
لا تقتصر الاستفادة من الموسوعات العلمية على صاحب الفن الذي وضعت الموسوعة فيه؛ بل إن فائدتها عامة لجميع القراء، وذلك أن الموسوعة عادة تعنى بجمع المعارف والمعلومات في فن محدد، وقد تتوسع قليلا إلى جوانب أخرى تتعلق بالموضوع الذي تتحدث فيه، فمن هنا نعرف أن الموسوعة تختصر على القارئ الوقت والجهد فتكفيه عناء البحث في كتب كثيرة، لعله بعد طول عناء لا يجد فيها مراده، فالموسوعة تجمع ما ورد في الكتب والرسائل حول موضوع معين، إلى غير ذلك من الفوائد.
والناظر في واقع التراث الإسلامي يجد هناك قصورا في مثل هذه الموسوعات؛ مع أن الحاجة ماسة إلى وجودها، ولكن ما يوجد منها إنما هو شيء قليل بالنسبة إلى سعة الثقافة الإسلامية.
فالموضوعات التي تحتاج إلى جمع شتاتها ولم عناصرها في كتاب واحد كثيرة، وإن هناك أمورا كثيرة أمرنا ديننا بالتمسك بها، هي أحوج ما تكون إلى توضيح وبيان، وإلى حصر وجمع حتى يسهل التعرف عليها، ومما أمرنا بالتمسك به هو الالتزام بأخلاق الرسول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقد أمرنا بأن نتمسك بالأخلاق العالية الفاضلة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فلن نجد أعظم منه أخلاقا ولا أتم منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفي التمسك بأخلاقه صعود إلى الفضيلة والكمال، ومن أحوج الناس إلى معرفتها والتمسك بها هم الدعاة إلى الله، ولكن هذه الأخلاق والشمائل يجدها القارئ مبثوثة في الكتب، ولا يوجد كتاب يجمعها قدر الإمكان، ولهذا جاءت فكرة جمع هذه الشمائل والأخلاق عند الأستاذ: عبد الرحمن بن محمد بن ملوح وعرض هذه الفكرة على معالي الشيخ الدكتور: صالح بن عبد الله بن حميد،
فنتج عن هذه المشورة أن خرجت موسوعة عظيمة في مادتها، واسعة في
محتوياتها، رأوا تسميتها: (موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ)، والناظر في هذه الموسوعة يدرك لأول وهلة أنها لم تخرج بسهولة، بل صاحبها عناء ومشقة وتعب، ولكن على قدر ما تعبوا في إعدادها، على قدر ما تكثر الاستفادة منها، ولقد بذلوا في إعدادها طاقات بشرية من الباحثين والأكاديميين، غير ما أنفق في سبيل إخراجها بصورة حسنة من أوقات وأموال، لكن هذه المشاق لا تساوي شيئا في جانب ما نسأل الله عز وجل أن يكافئهم به.
لقد تعب القائمون على هذه الموسوعة حتى خرجت بالصورة التي هي عليه الآن، ولكن أقول: إن ما بذل من كل هذه الجهود ينبغي أن يتضاعف أيضا في مراجعتها بعد إخراجها، لأن هذه الموسوعة للقائمين عليها غنمها، كما أن عليهم غرمها، فما كان فيها من صواب فإنه سينسب إليهم، وإن كان فيها خطأ فقد ترجع تبعته عليهم.
ولقد لفت نظري أثناء استفادتي من هذه الموسوعة في إعداد خطبة الجمعة كل أسبوع أن هناك مواضع جانب القائمون على هذه الموسوعة الصواب فيها، وهذا ما حداني إلى أن أقوم بجمع ما ظهر لي أنه خطأ، ولن أذكر في هذه العجالة إلا أمثلة يسيرة على جانب محدد من الموسوعة، وهو تلك الحواشي والتعليقات التي لا تخلو منها صفحة من صفحات الكتاب في مجلداته الاثني عشر، وسأختار المجلد السابع من الكتاب، لأستخرج منه بعض الأمثلة على ما ذكرت آنفا، فأقول:
جاء في مقدمة اللجنة اللغوية للموسوعة أنهم اعتمدوا في تفسير غريب الألفاظ والغامض من الكلمات على كتب شروح الحديث: كفتح الباري وشرح النووي على مسلم وكتب غريب الحديث المعروفة، وهذا الكلام سنحتاج إلى الاستشهاد به فيما سيأتي، فأقول: يمكن أن أقسم ما وجدته من ملحوظات إلى خمسة أنواع:
النوع الأول: أن هناك مواضع أخطأوا في تفسيرها، فأتوا بتفسير لا يتمشى مع السياق الذي جاءت فيه تلك الكلمة أو العبارة المقصود تفسيرها، ومن ذلك ما جاء في ص ( 2619) لما ذكروا قصة أبي سفيان مع هرقل، جاء في الحديث ما نصه: أن هرقل أرسل إليه…… وكانوا تجارا في المدة التي كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش …الخ، أراد المعلق أن يفسر كلمة: (ماد) فقال في الحاشية رقم (
: ماد أي جاذب وماطل، وهذا التفسير غير صحيح، قال العيني في شرحه على البخاري 1/101: وأصله من المدة، وهي القطعة من الزمان ….أي اتفقوا على الصلح مدة من الزمان، وهذه المدة هي صلح الحديبية ……الخ.
ومثل هذا ما ورد في ص (2637) حينما فسر ربض الجنة الوارد في الحديث بأنه كل ما تأوي إليه وتستريح لديه، وهذا التفسير لا يتوافق مع سياق الحديث، ثم هو خلاف ما في النهاية لابن الأثير، ومنه نقل صاحب عون المعبود، قال: هو ما حولها خارجا عنها، تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع.
ومثل هذا ما ورد في ص(2900):حين فسر كلمة ( طرق) في قول اليهود للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن كعب بن الأشرف قالوا: طرق صاحبنا وقتل، قال المعلق على هذه اللفظة: الطرق: الضرب بالحصى الذي تفعله النساء، وهذا المعنى وإن كان يسمى بالطرق، ولكن الطرق الوارد في هذا الحديث له معنى آخر، وهو الإتيان ليلا، ومعنى كلام اليهود: أتاه شخص ليلا فقتله، وهذا المعنى ذكره عون المعبود في شرحه لهذا الحديث، والأمثلة على هذا القسم كثيرة.
النوع الثاني: أن المعلق على الكتاب عند تفسيره للغريب أو تعليقه عليه قد يأتي بقول واحد من بين عدة تفسيرات ذكرها العلماء، دون أن يشير إلى أن هناك أقوالا أخرى، في حين أنه قد يكون القول الذي ذكره مرجوحا، ويمكن أن أمثل على هذا النوع بما ورد في ص(2652) حين فسر سرر الشهر الواردة في الحديث، فقال: سرة الشهر وسطه؛ لأن السرة وسط قامة الإنسان، وهذا القول هو أحد الأقوال التي قيلت في تفسير: سرر الشهر، وقد فصل الحافظ ابن حجر في الفتح (4/272) القول فيها وذكر أقوالا أخرى، ورجح القول بأن المقصود بسرر الشهر هو آخره، فليت المحقق أشار ولو على الأقل إلى وجود آراء أخرى.
النوع الثالث: أن المعلق قد يأتي بكلام غامض لا يعرف معناه، مما يوجد عند القارئ تساؤلات لا يجد لها إجابة، أوضح هذا الكلام فأقول: قد التزم المعلق بما نقلته عنه من أنهم يعتمدون على كتب الغريب في تفسيرهم للكلمات الغامضة، وقليل جدا خروجهم عن هذا القيد الذي التزموه في عملهم، إلا أنهم وقعوا في أمر يخالف قواعد التحقيق، وهو عدم إحالتهم إلى الكتب التي نقلوا منها ما نقلوا، لأن المعلق قد ينقل أحيانا كلاما لا بد أن ينسب إلى قائله، ولما لم ينسبوا الأقوال إلى قائليها؛ فإنهم أوجدوا عند القارئ مثل هذه التساؤلات، فمثلا في ص (2625) قال عند ما أراد تفسير كلمة (فاجتالتهم) الواردة في الحديث: "خلقت عبادي حنفاء، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم " قال في التعليق رقم(5): فاجتالتهم: هكذا هو في نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عياض……… الخ، حين يقرأ القارئ هذا الكلام يتساءل: أي نسخ يقصد المعلق؟ ثم أي بلاد يعني بهذا الكلام؟، وقد تكرر مثل هذا العمل كثيرا وانظر (2901) و(2995)، ولو أن المعلق نسب هذا الكلام الذي كتبه إلى مصدره لكان أولى، وأكثر هذه المواضع التي وردت فيها مثل هذه العبارات منقولة من كلام الإمام النووي في شرحه على مسلم، وإذا كان المعلق لا يريد نسبة الأقوال إلى قائليها ـ لعل قصده الاختصار ـ فلا أقل من أن يأخذ منها ما يصلح للنقل بدون عزو، أما أن يكون عمله النقل فقط بدون فهم لما يصلح أن يكتب وما لا يصلح، فهذا أمر يستطيعه كل أحد.
النوع الرابع من الملحوظات: أن هناك مواضع أتى المعلق فيها بكلام من عنده، فأتى بأمور لم يوافق الصواب فيها، بل لعله لم يسبق إلى بعضها، وأحسب أن بعضها يعد من مفردات المعلق.
وأوضح مثال على ذلك ما ورد في الجزء الأول ـ وهو خارج عن الموضع الذي حددت مناقشته وهو المجلد السابع ـ أقول: جاء في (441) حين جاء الكلام على قصة تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة حيث حكم: أن من جرت عليه الموسى قتل ومن لم تجر عليه استرق، فسر المعلق عبارة: من جرت عليه الموسى فقال: أي بلغ مبلغ الرجال فحلق ذقنه!!!!!!، فأقول: بحثت طويلا لعلي أجد أحدا قال هذا الكلام فلم أجد، ولعل المعلق لم يسبق إلى مثل هذا الأمر، فلا أعرف أحدا قال إن حلق اللحية علامة على البلوغ، كيف وهناك من الرجال من لا تنبت لحاهم، كيف وقد روى أصحاب السنن الأربعة عن عطية القرظي أنه قال: كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، قال عطية: فكشفوا عن عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي.
ومثل ذلك ما ورد في الجزء الأول أيضا في ص (434) حين قال المعلق على قول عمر ابن عبد العزيز: فإني قد رأيت شعرا من شعره ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد لون، قال المعلق: ربما كانت هذه رؤيا منامية من الخليفة عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، فأقول ما المانع من أن تكون هذه الرؤيا حقيقة: إذا علمنا أن بعض الصحابة احتفظ ببعض شعره ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ثبت ذلك عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ كما في صحيح البخاري في كتاب اللباس، أنها أخرجت لعثمان بن عبد الله بن موهب شيئا من شعره ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
النوع الخامس: أن المعلق تكلم على أمور هو في غنية عن الحديث عنها، وأعني بذلك أحاديث الصفات فقد تكلم ـ مثلا ـ في ص(2782) على الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني…… الحديث"، فجاء في التعليق رقم (4) ما نصه: قوله: وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي. ا.هـ، وقد تكرر هذا الحديث في المجلد السابع أكثر من مرة، ففي (3099) قال المعلق في التعليق رقم (
على قول الله سبحانه في نفس هذا الحديث: "ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" قال المعلق ما نصه: الهرولة: هي بين المشي والعدو، وهو كناية عن سرعة إجابة الله تعالى وقبول توبة العبد. ا.هـ وأقول: إن كلي هذين التفسيرين خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، المجلد الخامس (102ـ104) و(460ـ466)، وكلام الشيخ: عبد الله الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري (263ـ 271)، وانظر كذلك تفصيل الشيخ محمد بن عثيمين وما رد به مثل هذين القولين، حين تكلم على هذا الحديث في مجموع مؤلفاته (3/328)ن فقد بينوا أن المقصود بالمعية في هذا الحديث هي المعية الخاصة، أي أنا معه بالإجابة والتوفيق، وبسماع كلامه وإثابته عليه، أما الموضع الآخر الذي علق عليه فقد قال شيخ الإسلام عنه: وأما دنوه نفسه ـ سبحانه ـ وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستوائه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر. ا.هـ.
واسمح لي أيها القارئ الكريم إن شططت عن الموضوع فقلت: الناظر في واقع العلماء المتقدمين يجد أنهم يتحرجون من الحديث في مثل هذه الأمور، لا نقصا في علمهم، ولكنهم لا يتكلمون إلا إذا رأوا حاجة ماسة لذلك؛ كتوضيح عقيدة أو رد على مبطل، ثم إن مثل هذه المواضيع وهي أحاديث الصفات معلوم موقف السلف الصالح منها، وهو أن تمر كما جاءت بلا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، ولكن عدم تمسكنا بمنهج السلف الصالح أوجد بيننا أناسا لم يبلغوا من العلم ما يؤهلهم للحديث في مثل هذه المواضيع؛ ومع ذلك تجدهم يتكلمون فيها، فلا غرو إذن أن يقعوا في أخطاء وزلات، حملني على هذا الكلام أننا بدأنا نسمع بأناس تكلموا في مثل هذه المواضيع حتى كثر الكلام عنهم، وعما وقعوا فيه من أخطاء.
وبعد: فهذه أمثلة على بعض الأخطاء التي مرت بي أثناء استفادتي من هذه الموسوعة، وقبل أن أختم كلامي بقي عندي ملاحظة قد يستغربها بعض القراء، وهي أن الكتاب وجد عناية فائقة في الصف والطبع والتغليف، إلا أني أقول: لا أظن أن هناك حاجة داعية إلى أن يكتب اسم الكتاب كاملا واسم المشرفين عليه ـ رباعياـ على الغلاف الكرتوني الذي وضع فيه الكتاب، بل ويكرر هذا العمل مرتين، ذاك أن هذه الأسماء التي ذكرت مشتملة على لفظ الجلالة، فقد ورد لفظ الجلالة خمس مرات على الغلاف الكرتوني، ونحن نعلم أين سيكون مصير مثل هذه (الكراتين)، ومن المقرر شرعا صيانة اسم الله ـ عز وجل ـ عن الامتهان، والابتعاد به عما يكون سببا في ذلك.
ومهما قلت عن موسوعة نضرة النعيم فلن أستطيع أن أوفيها قدرها، وأقل ما يقال: جزى الله القائمين عليها خير الجزاء.
نقلا عن جريدة الرياض العددين المذكورين